فتيات كرديات يوثقن حياتهن على شبكة الإنترنت

بقلم سازان مـ. مندلاوي، منسقة ومُدَوِنة شغوفة في طريقها للحصول على درجة الدكتوراه في مجال التعليم، وتسلِّط الضوء في مدوناتها على المشهد الثقافي والإبداعي بإقليم كردستان بالعراق.

في مجتمع كردي محافظ تعزف فيه بعض الفتيات عن وضع صورهن الشخصية على منصات التواصل الاجتماعي، خالفت بعضهن المعايير الثقافية المعهودة وحصلن على ملايين المشاهدات ومئات الآلاف من المتابعين. نوها بهادين وأڤيڤان ياسين الشهيرة بـ آفي وريزنه حسين ثلاثة فتيات كرديات في العشرينات اكتسبن شهرة عبر التدوين المرئي أو “الڤلوجينج” وصنعن محتوى على اليوتيوب وثَّقن من خلاله حياتهن اليومية.

طالما تحدَّثت صراحة عن دور “الشخصيات المؤثرة” على منصات التواصل الاجتماعي في المجتمع، وسلَّطت الضوء على وجه الخصوص على الفتيات في سن المراهقة. وفي السنوات القليلة الماضية، تابعت رحلة ثلاث شابات كرديات في فضاء الإنترنت وشعرت بالفضول للتعرُّف على ما مررن به من تجارب خلال مشوارهن نحو صناعة محتوى إلكتروني. ولذا قررت أن أتحدث باستفاضة ومن القلب مع نوها البالغة من العمر ٢٢ عامًا والتي قادت المسيرة باعتبارها أول مدونة مرئية أو “ڤلوجِر” كردية تنشر محتواها من إقليم كردستان.

عكفت نوها منذ تخرجها من المدرسة الثانوية على تصوير ونشر مقاطع فيديو وصناعة محتوى على اليوتيوب ومخاطبة جمهورها عبر فضاء الإنترنت. وعلى مدى الأعوام الأربعة الماضية حصدت مدوناتها المرئية، والتي وصل عددها إلى ٩٢ فيديو أو “ڤلوج”، تسع ملايين مشاهدة وفاق عدد متابعيها على اليوتيوب فقط المئة ألف متابع، فضلًا عن قيام موقع اليوتيوب بتوثيق حسابها ومنحها درع فضي تزدان به صفحتها بكل فخر.

وعندما تصفحت فيديوهاتها لاحظت أنها تخاطب المراهقين والشباب الصغار المقيمين في إقليم كردستان وتنقل إليهم تفاصيل الحياة الجامعية بما فيها من تحديات لا تخلو من المرح. يسلِّط الجزء الأكبر من الفيديوهات الضوء على نمط حياتها، وتظهر في بعض منها برفقة بعض أصدقائها من الشباب. وعلى الرغم من أنه لا يزال هناك أسر كردية لا تتقبل هذه الممارسات إلا أن نوها تتمنى المساهمة في تطبيعها. وما جذب اهتمامي بشكل خاص هو أنها كانت تتحدَّث إلى جمهورها في أحد الفيديوهات عن الدورة الشهرية، وهي من المسائل التي تعتبر إلى حد كبير من المحظورات في الثقافة المحلية. تقول نوها: “لدي صوت، لدي منصة، وأريد أن أساهم في رفع مستوى الوعي من خلال المحتوى الذي أقدمه.” أخبرتني نوها أنها تربَّت على أن الحديث في مسألة الدورة الشهرية من المحرمات ولذلك أرادت أن تسلِّط الضوء على هذه المسألة تحديدًا لاسيما وأن الفئة العمرية لمتابعيها تبدأ من ١٥ عامًا.

أما صفحتها على موقع إنستجرام، فهي ملونة وذات طابع حيوي ولا تختلف عن حسابات صناع المحتوى من الدول الأخرى فيما عدا أن المحتوى الذي تقدمه يستند إلى المجتمع الكردي ويرتبط به. كما أنها لا تختار ملابسها من أزياء الماركات الفاخرة، بل وتنوه في منشوراتها عن بدائل أخرى أقل تكلفة.

أما آڤي البالغة من العمر ٢٥ عامًا، فهي أول ڤلوجِر كردية بين الأطباء. بدأت مشوارها كـ ڤلوجر وهي لا تزال في كلية الطب واستطاعت أن تحصد أكثر من ١١ مليون مشاهدة على قناتها على اليوتيوب، منها أكثر من نصف مليون مشاهدة لفيديو خطبتها فقط. كما وثَّقت أيضًا اللحظات التي تقدَّم فيها خطيبها راستجو للزواج منها، بدءًا من الاستعدادات الأولية ومرورًا بركوعه على ركبة واحدة خلال فعالية عامة في السليمانية وتقدمه لخطبتها ووصولًا إلى علامات المفاجأة التي ارتسمت على وجهها وانخراطها في البكاء. قام الثنائي بتوثيق لحظات رومانسية ونزهات وموضوعات ذات صلة بنمط الحياة وأخرى شائعة لدى مشاهير اليوتيوب في الغرب، كالفيديوهات التي يجيبون فيها على افتراضات المشاهدين وأسئلتهم. وخلال أزمة وباء كورونا استغلت آڤي منصتها على شبكات التواصل الاجتماعي ومهنتها كطبيبة لنشر الوعي بين جمهورها من الشباب.

يتميز حساب آڤي على إنستجرام بطابعه الحيوي المشرق. تشارك فيه جمهورها صورها بأزياء ذات طابع محتشم تم التقاطها بأسلوب احترافي (هل يعود ذلك لكون خطيبها مصور محترف؟)، وكذلك منتجات تجميلية وغيرها من المنتجات اليومية وتذكر في بعض المنشورات الماركات المحلية التي تتعاون معها، تمامًا مثلما يفعل صناع المحتوى من الثقافات والمجتمعات المختلفة على شبكات التواصل الاجتماعي. ويتمثَّل الاختلاف الوحيد في حرصها على اختيار الأزياء التي تخاطب المجتمع المحافظ الذي تستهدفه من خلال محتواها.

تعيش ريزنه في قرية كردية صغيرة وتبلغ من العمر ٢٤ عامًا وتنقل عبر قناتها على اليوتيوب تفاصيل حياتها اليومية المشوقة إلى جمهورها على شبكة الإنترنت الذي يعيش غالبيته، وأنا منهم، في المدينة. تعطينا ريزنه لمحة مفصَّلة عن الحياة في القرية، كمن خلال الطعام الذي تشارك والدتها في طهيه والمنتجات العضوية التي تشتهر بها القرية، وتطلع جمهورها في كثير من الأحيان على بعض العادات والممارسات الثقافية. وخلال مشاركتها مؤخرًا في سلسلة مؤتمرات تيد اكس العالمية TEDx talk قالت ريزنه: “أرتدي نفس الملابس في فيديوهات اليوتيوب لأنه ليس لدي شيء آخر.”

تلك الفتاة الكردية الشابة التي تحب أن تطلق على نفسها لقب “مربية النحل”، تصنع محتوى حقيقيًا خاليًا من الرتوش. فإن حياتها لا تشمل حفلات أو ماركات شهيرة أو وجبات في مطاعم فاخرة، وهذا هو حال كثير من متابعيها في نهاية المطاف.

تصوِّر ريزنه فيديوهاتها بكاميرا وأحيانًا بهاتف محمول، وتظهر فيها بمختلف حالاتها كأي فتاة شابة؛ قد تظهر بمكياج وبدون ماكياج، وقد تبدو نشيطة في الصباح الباكر أو مرهقة في الليل أو مجهدة قبل الامتحانات وأثناء المذاكرة وقد تطل علينا أيضًا بينما تقوم ببعض الأعمال اليومية. وعلى عكس العديد من الشخصيات العامة والمشاهير الذين يعطون جماهيرهم لمحة عن حياتهم، فإن نوها وآڤي وريزنه فتيات كرديات حياتهن قائمة على الأعراف الثقافية المحلية وتجاربهن الحياتية متشابهة مع معظم متابعيهن.

أخبرتني نوها بأنها كصانعة محتوى دائمًا ما تحرص على عدم ارتكاب أخطاء. ابتسمت عندما سمعتها تقول ذلك لأنني أعرف جيدًا أن التنمُّر في تعليقات بعض المتابعين قد يصدم المرء بقوة وعلى بغتة وكأنه عاصفة مدوية لا نهاية لها. ورغم ذلك، فإن الفتيات الثلاث لديهن من المرونة ما يمكنهن من مواصلة تقديم محتوى كردي محليّ من أجل جماهيرهن على شبكة الإنترنت.

تتميز فتيات اليوتيوب الشابات بصراحتهن وثقتهن في أنفسهن وإن كن يتلقَّين في الوقت نفسه نصيبهن من التعليقات السلبية إلا أنهن استطعن أن يحققن مشاهدات بأعداد هائلة. أما فيما يتعلَّق بالإيرادات، فهن لا يزلن يخطون أولى خطواتهن في هذا المجال، على عكس آخرين من مشاهير اليوتيوب في الشرق الأوسط. فقد تعاونت نوها مع شركات اتصالات شهيرة، بينما تستند آڤي وريزنه إلى الشراكات في بعض محتواهن.

أخبرتني نوها أثناء حديثنا أن تقديم المحتوى على اليوتيوب وعلى إنستجرام أثناء الدراسة كان بمثابة وظيفة بدوام كامل. وقالت لي: “التفتت الشركات إلى أصواتنا شيئًا فشيئًا وأدركت قوة تأثيرنا في تسويق منتجاتها.” رغم أنني شخصيًا أتساءل عن المعايير التي تستند إليها الشركات في اختيار الشخصيات التي تتعاون معها لتسويق منتجاتها والإعلان عنها، لأنها تلجأ في كثير من الأحيان إلى “شخصيات مؤثرة” لا صلة لها بالمجتمع أو الجمهور الكردي التي تستهدفه الشركة ولا تمثله.

لاحظت من خلال ما قدمته الفتيات من مقاطع فيديو ومحتوى أن نوها ورزنه وآڤي مزجن، حيثما أمكن، بين توجيه الرسائل العامة للجماهير وبين التوعية على اختلاف موضوعاتهن ومنظورهن للمجتمع. على الرغم من أن نوها تقرّ بأن الموضوعات المثيرة للجدل هي التي “تحقق العدد الأكبر من المشاهدات”.

وعلى الرغم من عدم خلو المجتمع الكردي المحافظ من الحواجز الثقافية، إلا أنني أستشعر من خلال ما يقدمنه من محتوى على الإنترنت وجود الدعم الأسري كعامل مشترك بينهن جميعًا. والمثير للاهتمام في هذا الصدد هو أن والديّ كل من نوها وريزنه لم يتسنَ لهم إكمال تعليمهم بسبب عدم استقرار الأوضاع في المنطقة، ورغم ذلك أكدت كلتا الفتاتين أن أسرهما لم يعارضا قرارهما بتوثيق حياتهما على شبكة الإنترنت رغم وجود ردود أفعال سلبية من قبل بعض الأقارب البعيدين.

وكثيرًا ما يظهر والد ريزنه ووالدتها في فيديوهاتها بالزي التقليدي. وفي أحد مقاطع الفيديو ترى ريزنه تستعد للاحتفال بعيد مولدها وقد قامت بتزيين مساحة صغيرة خارج منزلها بالقرية وارتدت الزي الكردي التقليدي ووضعت الماكياج ودعت والديها لتناول الشاي والكيك ومشاركتها في جلسة التصوير، وهو تذكير لجمهورها بالبساطة وأهمية الروابط الأسرية وبأن المرء هو من يصنع سعادته بنفسه.

حين يؤثر صناع المحتوى على شبكات التواصل الاجتماعي في نمط حياة وتفكير وأفعال الشباب تأثيرًا شديد السلبية تأتي هذه الفتيات الكرديات ليثبتن أن من المحتوى ما هو إيجابي.