إنستجرام وسناپ تشات: المفاتيح السرية لنجاح رائدات أعمال كردستان

إنستجرام وسناپ تشات هي تطبيقات مليئة بالمتعة. تجدها في بعض الأحيان ساحات لعرض المواهب واستقاء الإلهام، وفي أحيان أخرى، ساحات سامة تدفن المرء يومًا بعد يوم في حفر عميقة لا قرار لها. يلجأ إليها البعض للحصول على دعم خارجي عند عجزهم عن الحصول عليه على الصعيد الداخلي، وهي للبعض الآخر وسيلة تساعدهم على المضي قُدُمًا في مسيراتهم المهنية وفي رحلتهم نحو تحقيق شغفهم وطموحاتهم.

بعض النساء لا يدركن أن هذه المنصات تتسبب لهن في شعور لاإرادي بعدم الأمان. فيُهيئ لهن أن كل نساء العالم باستثنائهن لديهن أنوف صغيرة ومثالية كحبات النبق، وبشرة صافية ومشرقة، وشفاه ممتلئة، ورموش طويلة وكثيفة كعيون الغزلان. وهي للبعض الآخر وسائل تمكين يتعرفن من خلالها على أنماط الحياة الصحية والإنتاجية والصحة البدنية. وهناك من يعتبرنها واجهة للتباهي بحياة لا وجود لها على أرض الواقع، أو للتعرُّف على أشخاص يشاركنهن ميولهن واهتماماتهن.

أما أنا، أيها القارئ العزيز، فأشارك من خلالها متابعيني أفكاري ومنشوراتي عن القهوة؛ وهي لكثير من النساء في مجتمعي بمثابة مفاتيح سرية للنجاح في مجال ريادة الأعمال.

استضافتني صديقتي في منزلها قبل بضعة أسابيع، وكان من كرم ضيافتها أن قدَّمت لي فطائر الكوليشا (فطائر تقليدية محشوة بالجوز أو التمر) مع التشاي. وتلك كانت، على الأرجح، ألذ كوليشا تذوقتها في حياتي، إنها من هذه النوعية التي تذوب في فمك من دون أن تضطر لمضغها (وهذا يعود في الغالب لكمية الزيت الكبيرة التي تتطلبها الوصفة. ولكنّ، لندع هذه المسألة جانبًا الآن). وبمجرد أن تناولت قضمة واحدة من الكوليشا، لم أتمالك نفسي وسألتها عن الوصفة. فأخبرتني أنها اشترتها عبر تطبيق السناپ تشات. “سناپ تشات؟” ارتسمت على وجهي ملامح الدهشة والتعجُّب. وعلمت في ذلك اليوم من صديقتي أن الكثير من الكرديات يقمن بإعداد الحلوى وسط أجواء منازلهن المألوفة، ثم يعرضن أعمالهن على تطبيق السناپ تشات ليتلقين طلبيات الشراء من جيرانهن وأصدقائهن وأصدقاء أصدقائهن. واستطردت صديقتي قائلة:

“تقوم سارة خان بعرض كل ما تقوم بطهيه وإعداده بالمنزل على السناپ تشات، وإن أردتِ منه شيئًا، عليكِ بالتواصل معها عبر الرسائل المباشرة. يمكنكِ بعدها استلام الطلب من منزلها، أو تقوم هي بإرساله لكِ مع قائد سيارة أجرة.”

وهذا ما فعلته بالضبط بمجرد عودتي للمنزل. إليكم نص الرسائل التي تبادلتها مع سارة خان*.

أنا: مرحبًا، أود أن أطلب فطائر كوليشا، كتلك التي صنعتِها لـ ڤيان خان.

سارة خان: سارشاو (من عينايا) كم كيلوجرامًا؟

أنا: ٢؟

سارة خان: هل ستأتين لاستلامها أم أقوم بإرسالها إليكِ؟

أنا: هل يمكنكِ إرسالها إليّ؟

سارة خان: أجل، أرسلي لي رقم هاتفك.

وفي نفس اليوم، وتحديدًا في الساعة الرابعة عصرًا، وصلني عند باب بيتي كيلوجرامان من الكوليشا الطازجة والدافئة. تمت تعبئتها وتغليفها بحيث يسهُل تجميدها عند الرغبة. وكان الأمر بهذه البساطة!

وعلى الرغم من أن التكلفة كانت أكثر مما كنتُ سأدفعه لو اشتريتها من أي سوبرماركت بالمدينة، إلا أنني أعرف جيدًا أن هناك اختلاف كبير في جودة المكونات.

في مجتمع كهذا، لا يحمل ٨٠ بالمئة من سكانه بطاقة ائتمانية ويستغرق فيه طلب المنتجات من الخارج أسابيع (وأسابيع)، ولا وجود فيه لـ أمازون پرايم، من شأن الشراء من أصحاب المشروعات الفردية عبر رسائل إنستجرام وسناپ تشات المساعدة على تسيير المشروعات، لاسيما للمبتدئين. وهذا يسري على رواد الأعمال الجدد من الشباب الملمين جيدًا بعالم شبكات التواصل الاجتماعي، وكذلك على الجيل الأكبر سنًا الذين يتلقون الدعم والمساعدة في هذا الصدد من أبنائهم.

وتلك المشروعات الفردية لا تقتصر فقط على النساء الكرديات الأكبر سنًا اللواتي يقمن بإعداد أشهى الأطباق في مطابخهن، وسط أجواء منازلهن المألوفة. فهناك فتيات شابات اتجهن لصناعة الحلي من منازلهن وبيعها عبر متاجر افتراضية على منصة الإنستجرام؛ مثل ناسك كوليكشن وذا دالي ستور، إضافة إلى مشروعات أخرى متنوعة اجتاحت عالم الإنترنت بمتاجرها ومحالها الافتراضية وشملت كل أنواع المنتجات؛ بدءًا من المنتجات التقليدية كـ ليدي ديزاين لحياكة الملابس النسائية، وتينوس وكورد نوتس للدفاتر والمفكرات، ورينچين للأعمال الفنية والأكواب، ويوليا دولّز للعرائس المصنوعة حسب الطلب، وبايال للحقائب القماشية، وكورديش دوودل للبطاقات، وهو أحد مشروعاتي المفضلة، ومرورًا بـ الثياب الفاخرة عالية الجودة ووصولًا إلى الملصقات.

كما اتجهت بعض رائدات الأعمال الشابات لتصنيع منتجاتهن الخاصة، مثل تاف لمستحضرات التجميل والعناية بالبشرة وشيرا لمنتجات العناية بالشعر وتشيوالي وهي ماركة تجارية كردية تُصنَّع محليًا.

ولو أن أصحاب هذه المشروعات استأجروا متاجر فعلية لعرض منتجاتهم على أرض الواقع لَما كُتِب لكثير منها الاستمرار. إذ أن ما تتطلبه هذه الخطوة من أوراق وإجراءات رسمية ورسوم إيجار ومرتبات عاملين وفواتير كهرباء ومياه، وحقيقة ارتباط حجم قاعدة العملاء بالمنطقة الجغرافية الواقع فيها المتجر، من شأنه أن يهدد نجاح المشروعات. كما أن العمل من إقليم كردستان من خلال شبكات التواصل الاجتماعي لا يتطلب مستندات رسمية في الوقت الحالي.

إن المنصات الرقمية من أمثال إنستجرام وسناپ تشات (وحتى فايسبوك، لبعض الناس) تسمح لأصحاب المشروعات بالوصول لشريحة أكبر من العملاء، حيث أصبح بإمكان فتاة شابة من البصرة شراء منتج من متجر في دهوك خلال ثوانٍ معدودة والحصول عليه في اليوم التالي مباشرة. وأنا عن نفسي قمت بعمل طلبيات شراء من السليمانية ووصلتني ظهر اليوم التالي في أربيل.

ومع انطلاق هذه المشروعات الإلكترونية تأسست بضع شركات شحن قائمة على سائقي سيارات الأجرة الذين يقومون باستلام المنتج وتسليمه من الباب للباب. وتعتمد طريقة المحاسبة على الدفع النقدي عند الاستلام. وإن كل طلبية شراء من على هذه المنصات تشتمل بطبيعة الحال على مصاريف شحن تتراوح عادة ما بين ٢ دولار إلى ١٠ دولارات بحسب وجهة الشحن في العراق.

وعلى الرغم من أن هذه المنصة قد سمحت للفتيات الشابات بدخول عالم المشروعات الناشئة من منازلهن بمنتهى السهولة ودون عناء عن طريق إنشاء حسابات إلكترونية في غضون دقائق معدودة، إلا أنها قد تفتقر إلى الكفاءة اللازمة بالنسبة للمشروعات الأكبر حجمًا.

فالمشروعات الكبرى من أمثال شوپازار تتلقى طلبياتها عبر مواقعها الإلكترونية، ومشروع لا لا كاندلز الذي سبق وقدمته في إحدى مقالاتي على منصة ابتدي قد بدأ الآن في استقبال طلبيات الشراء عبر الموقع الإلكتروني لأغراض تتعلق بالكفاءة. ورغم ذلك، يبقى الطلب عبر الرسائل المباشرة وسيلة لإدرار الدخل وإدخال البهجة على رائدات الأعمال الشابات.

جدير بالذكر، أن التدريبات والفرص المقدمة لرواد الأعمال من قبل برنامج تكوين لتسريع الشركات الناشئة وحاضنة الأعمال فايف وان لابس ومختبر الابتكارات في العراق وغيرها من الجهات، تساعد أصحاب المشروعات على اكتساب المعارف اللازمة لريادة الأعمال وعلى التطور، وتوفر في بعض الحالات فرصًا للتواصل والتمويل، بل وتقوم في بعض الأحيان بتعريف أصحاب المشروعات على المستثمرين. وتلك، على الأرجح، هي الحلقة المفقودة من أصحاب المواهب والأفكار والهوايات على مدى السنوات الماضية، وليس الدعم المالي لإطلاق مشروع فعلي “على أرض الواقع”.

كما أطلقت منصة ابتدي مؤخرًا برنامجًا توجيهيًا بعنوان “التقِ بموجهك” مصممًا بحيث يتناسب مع احتياجات أصحاب المشروعات المحلية الناشئة في عدد من البلدان، من بينها العراق. وهذا ليس هو البرنامج الوحيد المقدم من قبل معهد جوته، فهناك أيضًا معسكر تدريبي للمشروعات التصميمية والمرنة والموجه للمصممين العراقيين. وإن هذه البرامج المدعومة والممولة دوليًا من شأنها المساهمة في تعزيز المشروعات المُدارة من المنازل من خلال تعزيز معارف ومهارات أصحابها والنهوض بها.

يُشار بكلمة خان الكردية إلى السيدات على سبيل الاحترام جنبًا إلى جنب مع أسمائهن.

بقلم سازان مـ. مندلاوي، منسقة ومُدَوِنة شغوفة في طريقها للحصول على درجة الدكتوراه في مجال التعليم. تسلِّط الضوء في مدوناتها على المشهد الثقافي والإبداعي بإقليم كردستان بالعراق.