شاركت قبل عدة أشهر مجموعة من الشباب بكابينة أرجوانية، زاهية اللون، في إحدى الفعاليات في إربيل. واستطاعت بطابعها الفريد أن تجذب أنظار الجميع، وتزاحمت عليها الحشود بشغف وحماس وفضول.
وعنما قرأت كلمة “كورديفيا” على اللافتة المعلقة على الكابينة، لم أستطع أن أتمالك نفسي وصرخت قائلة: “أهذا أنتم؟!”. إذا كنت من سكان كوردستان، ولم تسمع من قبل عن كورديفيا، فلا بد أنك تعيش في فقاعة منعزلة، أو ربما في فقاعة منعزلة داخل كهف.
رأيت الحشود، من رجال وشباب وفتيات ونساء وأطفال، مقبلين على الكابينة في حماس وترقُّب وتخوف وإحباط وسعادة وغضب، يعلقون على أسئلة أمس والأسبوع الماضي والشهر السابق، ويطرحون كل أنواع الأسئلة: “لماذا هذه الإجابة تحديدًا؟” أو “لم أجب بسرعة كافية!” أو “لماذا ربحت؟” “أو لماذا لم أربح؟” أو “من تفوق عليّ؟” أو “من ربح مثلي؟”، وما إلى ذلك. ثم رأيت رجلًا عجوزًا يقترب مع ابنته من الشباب ويخاطبهم قائلًا: “أخبروني رجاءً من منكم المسؤول عن وضع الأسئلة؟” أشاروا جميعًا لشخص واحد، وضحكوا!
ولكن، لماذا كل هذه الضجة بشأن تطبيق هاتفي؟
ما هي كورديفيا؟ هي لعبة قائمة على تطبيق هاتفي، تُبَث من خلاله كل ليلة مجموعة من الأسئلة على الهواء مباشرة، يمكن لأي شخص الإجابة عليها دون عناء وهو جالس ومسترخ في بيته. وينبغي على المستخدم أن يجيب على الأسئلة خلال مدة زمنية معينة ليتمكن من الفوز والحصول على جوائز وقسائم شراء. ولكن، في حالة عدم إجابته على سؤال واحد، لن يتمكَّن المستخدم من الانتقال إلى السؤال التالي.
وضح أحمد لـ. جمال، المدير التشغيلي لكورديفيا، تفاصيل المسابقة قائلًا: “إنه نظام قائم على لعبة لتوزيع قسائم الشراء، نقدم من خلاله عروض وخصومات للاعبين على مدار المسابقة الشركات التقليدية من اكتساب عملاء.” وذكر أحمد أن اللاعبين يشاركون في مسابقات حية لاختبار معلوماتهم العامة من مختلف المجالات، كالترفيه والرياضة والألغاز، ويجيبون على الأسئلة للفوز بقسائم شراء من إحدى الشركات المحلية. ثم يتوجه الفائزون بعدها إلى مقار هذه الشركات لاسترداد القسائم وشراء المنتجات.
كما أشار أحمد إلى أن اللعبة تبدأ كل ليلة في تمام الساعة الثامنة والتاسعة والعاشرة، وأنه لا تجوز المشاركة فيها بعد بدء المسابقة، ولو بدقيقة واحدة. يتم بث نفس السؤال لجميع اللاعبين في نفس اللحظة وإمهالهم ١٠-١٥ ثانية للإجابة على كل سؤال. وعن بث المسابقة على الهواء مباشرة علَّق أحمد قائلًا: “لقد قررنا بث المسابقة على الهواء مباشرة لإضفاء مزيد من الحماس والتنافس بين المشاركين على الوصول لآخر سؤال والفوز بالجوائز المختلفة.” لم تفرض المسابقة قيودًا على العمر ولا على أعداد المشاركين، مع العلم أنه في حالة عجز المتسابق عن الإجابة على سؤال واحد لن يتمكَّن من الانتقال إلى الأسئلة التالية.
استند تطبيق كورديفيا في هذه المسابقة إلى نظام جوائز جديد يسمح للمشاركين بالفوز بقسائم شراء في كل مرحلة (محطة) من مراحل المسابقة. أما من يجيب على كل أسئلة المسابقة بشكل صحيح ويتمكَّن من الوصول لآخر مرحلة، فيفوز بالقسيمة النهائية (التي تمنحه خصمًا أو عرضًا أكبر من كل القسائم الأخرى). كما يتم الترويج لرعاة المسابقة من خلال الفواصل الإعلانية والشعارات على كل من التطبيق ومنصة التواصل الاجتماعي.
إنهم شباب أذكياء ومتفتحين ومقبلين على الناس، ولم تفارق الابتسامة وجوههم لحظة. ورغم صعوبة ذلك في مجتمعنا، إلا أن العديد منهم تركوا تخصصاتهم الأساسية من أجل تحقيق حلم كورديفيا، مثل محمد، المدير التنفيذي، الذي تخلى عن مهنة الطب، وأحمد، المدير التشغيلي، الذي درس الصيدلة، بل وهناك طالب في الهندسة أيضًا بين مؤسسي المشروع. إلا أن السمة المشتركة بينهم جميعًا تتمثل في حرصهم على العمل بشغف وتفاني وحماس لا حدود له.
محمد ياسين وأحمد بايز وأحمد لـ. جمال وعمر صباح؛ هؤلاء هم من قام على أكتافهم تطبيق كورديفيا الذي يرج المدينة كل ليلة ابتداءً من الساعة الثامنة مساءً. وإلى جانب المؤسسين، تضم كورديفيا فريق عمل من أحد عشر موظفًا، من بينهم مصممين، ومندوبي مبيعات، وصناع محتوى، ومسوقين.
تستقبل المنصة شهريًا ٤٠٠٠٠٠ متسابق من مدينتيّ إربيل والسليمانية، من بينهم ٢٠٠ مستخدم نشط يشارك في المسابقات الأسبوعية بصفة دورية ونحو ٦٠٠٠٠ مستخدم يشارك بنشاط في المسابقات اليومية. وبينما أكتب لكم هذا المقال يعتزم مشروع كورديفيا إطلاق تطبيقه في دهوك للوصول إلى ٢٠٠٠٠٠ مستخدم إضافي.
ولقد انتشرت بعض أسئلة كورديفيا انتشارًا واسعًا على منصات التواصل الاجتماعي وحققت ملايين المشاهدات، منها ما هو مضحك ومنها ما يبعث على التفكير. وعلى الرغم من أن المسابقة تتضمن أسئلة مباشرة أيضًا، المدة القصيرة المخصصة للإجابة من شأنها أن تصيب أي شخص بالتوتر فيضغط على الإجابة الخاطئة بسبب الاستعجال، حتى ولو كان معدل ذكائه ٢٠٠.
وإن كثرة التغريدات والمنشورات عن كورديفيا، قد أثبتت، على حد قول أحمد، أن التطبيق قد نجح في تقديم لعبة تعليمية ممتعة وصديقة للأسرة، يمكن لأي شخص أن يلعبها مع أحبائه. واستطاعت أن تجمع الأسرة والأحباب (نظرًا لبثها على الهواء مباشرة) على تطبيق واحد، ومنحتهم الفرصة للتعاون معًا والاستمتاع بمسابقة مثيرة والفوز في الوقت نفسه بجوائز وخصومات. وتلك هي السابقة الأولى من نوعها التي ينجح فيها تطبيق مصمم باللغة الكردية في الوصول لهذا العدد من المستخدمين.
ولكن مشروع كورديفيا يواجه في الوقت نفسه كمًا لا بأس به من التحديات، مثله في ذلك مثل العديد من المشروعات الناشئة التي التقيت بأصحابها في إطار سلسلة ابتدي، ومن بين الصعوبات الكثيرة التي ذكرها لي أحمد، نقص المعلومات الديمغرافية والسلوكية الخاصة بالمستهلكين والشركات، وصعوبة تعيين موظفين ومطورين محترفين ومدربين تدريبًا عاليًا. بالإضافة إلى ما يتطلبه تأسيس المشروعات الناشئة والمحافظة عليها من إجراءات بيروقراطية، وما يصاحبها من تحديات فريدة من نوعها.
لقد استطاعت كورديفيا على مدى الأشهر القليلة الماضية أن تحقق الاستدامة من خلال بيعها بعض الساحات الإعلانية المتوفرة على التطبيق حتى عام ٢٠٢٣. كما تمكَّنت من تطوير مفهومها التجاري، مثلها في ذلك مثل العديد من المشروعات الناشئة التي التقيت بها في إطار سلسلة ابتدي. إنه سوق جديد وأفكار جديدة يتم طرحها من قبل مؤسسين على دراية تامة بأن النجاح يقوم على الأخطاء والمحاولة مرة بعد مرة.
عرفت من أحمد أنهم يقومون في الوقت الحالي بتطوير تطبيق كورديفيا وراء الكواليس وإضافة خواص وخيارات متنوعة ليواصل جذب اهتمام المستخدمين، ويمنحهم الفرصة للفوز بالجوائز والقسائم!
لم أكن أعلم أن حب المعارف والقليل من المنافسة من شأنهما أن يثيرا عقول نحو ٦٠٠٠٠ شخص من أبناء مدينتي كل مساء! إنه مثال رائع لمشروع ناشئ تم ابتكاره من قبل عباقرة!
بقلم سازان مـ. مندلاوي، منسقة ومُدَوِنة شغوفة في طريقها للحصول على درجة الدكتوراه في مجال التعليم. تسلِّط الضوء في مدونتهاعلى المشهد الثقافي والإبداعي بإقليم كردستان بالعراق.
حقوق طبع ونشر الصور: كورديفيا