نادي الإفطار يوقظ كردستان في كل صباح عيد الميلاد العاشر للإذاعة الإنجليزية الوحيدة بالعراق

ا موطنًا لي على مدى العقد الماضي تنمو وتتطور على نحو مذهل. شهدت المدينة تغيرات جذرية، فبعض الطرق والمناطق تبدو الآن مختلفة تمامًا وكأننا في بلد آخر، وبعض المرافق القائمة الآن كانت مجرد حلم منذ بضع سنوات.

ولكن، ثمة شيء لم يتغير على مدى السنوات الماضية، لاسيما بالنسبة لي، كشخص عائد من الخارج؛ إنها إذاعة بابيلون إف إم، الإذاعة التي كنت أستمع إليها أثناء تنقلاتي كل صباح. وتغيرت وسائل المواصلات وتغيرت معها وجهاتي ومقاصدي على مر الأعوام، من الذهاب للعمل لتوصيل أبنائي للمدرسة، وظلت إذاعة بابيلون كما هي.

عندما تتفانى في عملك لأقصى حد وتعمل بشغف منقطع النظير على مدى عشرة أعوام، تجد اسمك قد ارتبط بمسيرتك المهنية. هذا ما حدث مع نور ماتي المعروف في الأوساط المحلية بـ نور بابيلون. في عام ٢٠١١ أطلقت شركة بابيلون ميديا إذاعة متخصصة في موسيقى الجاز. ومنذ انضمام نور ماتي إليها في عام ٢٠١٢، صارت إذاعة بابيلون تُبَث باللغة الإنجليزية فقط، ولا توجد إذاعة مماثلة لها في العراق حتى الآن.

وخلال حديثنا، أوضح لي نور الأسباب التي كانت وراء إطلاق محطة إذاعية باللغة الإنجليزية: “السبب الأول هو ربط إربيل بباقي العالم ثقافيًا ولمساعدة الأجانب على الاندماج في المدينة وفي المجتمع المحلي. والثاني هو رغبتنا في الوصول للشباب… لإعدادهم على وظائفهم المستقبلية، وتنويرهم فكريًا [من خلال مناقشة مواضيع مختلفة] ومساعدتهم على تقبل الاختلاف.” وأوضح نور أن برنامج بريكفاست كلوب أو نادي الإفطار، ذلك البرنامج الصباحي الذي يُبَث على إذاعة بابيلون، كان بمثابة أداة لتحقيق أهداف إذاعة بابيلون إف إم.

وعلى موقعها الإلكتروني تصف إذاعة بابيلون إف إم برنامج بريكفاست إف إم بالآتي: “نور ودلاوي وإم يوقظونكم كل صباح بدلًا من منبهاتكم ليطلعونكم على كل ما يدور حول العالم! يمكنكم الاستماع إلى هذا الجنون وربح هدايا طوال أيام الأسبوع بدءًا من الساعة الثامنة صباحًا!”

كنت أوقف سيارتي أحيانًا على جانب الطريق لأتمكن من مراسلة برنامج بريكفاست كلوب بإجابتي على سؤالهم اليومي، أو مشاركتهم رأيي في موضوع اليوم. وكنتُ أحيانًا أضحك بهستيرية وبصوت عالٍ وأنا بمفردي في السيارة على طرائف نور ودلاوي حين يصطدمان معًا بأفكارهما أو يعيدان سرد بعض القصص، بل إن لفظ ’طريف‘ لا يفيهما حقهما. لقد صار صوت الطبول و’الهلهلة ‘ وفواصل التصفيق مألوفًا لدى المستمعين، وصار هذا البرنامج يمدهم بشحنة من الطاقة والسعادة في الصباح الباكر.

وكنت دائمًا ما ألاحظ أثناء استماعي إلى البرنامج أن إذاعة بابيلون إف إم لديها هدف محدد، وأنها “إذاعة مجتمعية”، وهو ما يذكرنا به نور دومًا. يقول نور أن برنامج بريكفاست كلوب يرفه عن المستمعين في بداية يومهم، وأنه برنامج صباحي خفيف فريد من نوعه لا يشبه البرامج الإذاعية الأخرى التي يغلُب عليها الطابع الإخباري.

ومع برنامج بريكفاست كلوب تستمع كل يوم إلى مقابلات وحوارات متنوعة؛ ما بين مقابلات مع نائب رئيس الوزراء ورؤساء البعثات ومجموعة من مختلف قناصل الدول والقائمين على المنظمات المحلية والدولية ودعاة حقوق الحيوانات ومبدعي الحرف الفنية المنزلية من السكان المحليين. وتطرق البرنامج في أواخر حلقاته إلى أسواق السلع المستعملة والصحة العقلية والعروض المجانية المُقدَّمة على تطبيقات توصيل الطعام والمعارض الفنية والحرف اليدوية والعنف القائم على نوع الجنس وكعك الدونتس والصليب الأحمر ومقهى القطط. فمع برنامج نادي الإفطار، يعيش المستمع كل صباحًا جديدًا في كل يوم.

أخبرني نور أنه من خلال فقرة المقابلات التقى هو وزملاؤه بمجموعة مذهلة من الضيوف على مدى السنوات الماضية. يقول نور: “كل شخص في هذه المدينة مميز بطريقته الخاصة، ويستحقون جميعًا أن يُسلَّط عليهم الضوء… ومن خلال البرنامج الصباحي تساهم إذاعة بابيلون في المجتمع المحلي باستضافة هؤلاء الأفراد ومنحهم الفرصة للتحدُّث عن أنفسهم وأنشطتهم ومشروعاتهم الناشئة والحصول في المقابل على الكثير من الدعم. قد يأتينا ضيف يمارس الرسم فقط، على سبيل المثال، وبعد أن نستضيفه في برنامجنا، تنهال عليه الطلبيات مما يشجعه على الاستمرار في نشاطه.”

إن ما يقدمه البرنامج من مسابقات وجوائز يومية وأسبوعية والمتابعين الذين يراسلونه بانتظام وتُوجَّه إليهم تحية الصباح، جعلت المستمعين يشعرون بالألفة وخلقت علاقة فيما بينهم.

أما مقدمو البرنامج، فمن أصول مختلفة، ومنهم مهاجرين سابقين، مثل نور ماتي الذي هاجر إلى أمريكا وترعرع في منطقة مترو ديترويت. وبدأ في أكتوبر ٢٠١٢ بتقديم برنامج Noor in the Morning أو “نور في الصباح” على إذاعة بابيلون إف إم، والذي تحول بعدها إلى برنامج بريكفاست كلوب.

وتشاركه في تقديم البرنامج ميفان المندلاوي الشهيرة إذاعيًا باسم “دلاوي” والتي وُلِدَت في إربيل ونشأت في أستراليا. وإن حبها للحوار هو ما دفعها للانضمام إلى برنامج بريكفاست كلوب. وكلاهما لا يعتبر تقديمه لبرنامج بريكفاست كلوب أو عمله في الإذاعة بمثابة وظيفة، بل شغف ومتعة.

أما إم، أو ماريان زايتو، فلقد بدأت عملها في محطة بابيلون الإذاعية في سن الستة عشر عامًا وهي الآن مقدمة برامج ومنتجة. وقد تألقت شخصيات مقدمي البرنامج على مدى الأعوام السابقة ووصلت لنا كمستمعين عبر الراديو. عشنا معهم وتعرفنا عليهم عن كثب وأحببنا شخصياتهم على اختلافها. ورغم اختلاف المذيعين، إلا أن البرنامج دائمًا ما يحتفظ بطابعه المميز الذي تمتزج فيه السخرية بالفكاهة وحب الناس (والحديث بالطبع).

يُبَث برنامج بريكفاست كلوب في الصباح الباكر، ويجمع على مدار اليوم ما يقرب من ٦٥٠٠٠ من مستمعيه على صفحاته على مواقع التواصل الاجتماعي عبر المناقشات والمنشورات والتعليقات. ويؤكد نور أن “عدد المستمعين الإجمالي يصل إلى ٤٠٠٠٠٠ إن أضفنا إليهم أولئك الذين يستمعون إلى البرنامج على شبكة الإنترنت من مختلف أنحاء كردستان العراق وباقي أنحاء العالم”، وأن لديهم جمهورعريض من الوافدين الأجانب أيضًا.

ما كان ليخطر ببالنا أبدًا أن ينجح برنامج إذاعي صباحي في الربط بين الناس على هذا النحو المذهل، لاسيما في مدينة دائمة النمو وفي ظل عصر العولمة والحداثة.

أهدي هذا المقال إلى نور ماتي، الذي سلَّم الآن، وبعد عشر سنوات، الراية لزملائه لتقديم برنامج نادي الإفطار وإدارة إذاعة بابيلون، ليتفرغ هو لإدارة منظمته التي تهدف إلى مساعدة المجتمعات المستضعفة، لكنه لا يزال يظهر من آن لآخر في البرنامج. وبينما توسعت المدينة وتحولت من حال لحال، أمدنا نور ماتي على مدى عشر سنوات بما يكفينا من الطاقة والضحك والدموع، ورافقنا هو وزملاؤه بصوته وأفكاره في الأوقات الحلوة والمرة.

بقلم سازان مـ. مندلاوي، منسقة ومُدَوِنة شغوفة في طريقها للحصول على درجة الدكتوراه في مجال التعليم. تسلِّط الضوء في مدونتهاعلى المشهد الثقافي والإبداعي بإقليم كردستان بالعراق.

حقوق طبع ونشر الصور: إذاعة بابیلون إف إم