طانية اللبنانية يومًا مصيريًا في فيلا نادي التين أو “فيج كلوب” للأطفال والشباب. قالت لي والدموع في عينيها: “أشعر بفراشات تتراقص على أصابع قدمي”. ففي هذا اليوم، قامت الأكاديمية الملكية للرقص بالمملكة المتحدة، بتقييم أداء مجموعة من الطلاب في أربيل، وذلك للمرة الأولى في نادي فيج كلوب وفي كردستان. وبذلك، أصبح نادي فيج كلوب أول نادٍ في العراق يُعتَمَد من قبل الأكاديمية الملكية.
وخلال حديثنا، عبَّرت لي صوفيا ميران، مؤسسة نادي فيج كلوب، عن ذهولها إزاء أداء هؤلاء الأطفال الصغار. لم تصدق كيف تسنى لمدربي نادي فيج كلوب تدريبهم على المنهج المقرر بهذه المهارة.
إن اعتماد نادي فيج كلوب، أو ’البيت الأرجواني الكبير‘ سابقًا، من قبل الأكاديمية الملكية للرقص في المملكة المتحدة، يسمح لطلاب مركز الرقص والفنون الأدائية بتلقي التدريب على يد أستاذة مدربين في الأكاديمية الملكية ودراسة أحدث المناهج والخضوع لاختبارات مطورة.
ولكن، لماذا تأثرت صوفيا كثيرًا بهذه المناسبة، حتى دمعت عيناها ووصفت شعورها بـ “فراشات تتراقص على أصابع قدميها”؟ الأمر لا يقتصر فقط على كون الأكاديمية الملكية واحدة من أبرز معاهد الباليه في جميع أنحاء العالم، بل إن القيام بهذه الخطوة قد وضع إقليم كردستان على خارطة المناطق التي تم اعتماد معاهدها من قبل هذه الأكاديمية الكائنة في لندن. إذ أكدت لي ميران أن الأكاديمية الملكية لم ترحب في البداية بفكرة اعتماد معهد رقص في كردستانلأنها لم تعتمد أية معاهد في هذه المنطقة من قبل.
وعلى الرغم من أن فن الباليه يعد بمثابة ثقافة مستحدثة في هذه المنطقة الشهيرة برقصة الهالبارك الكردية التقليدية والموسيقى المبهجة، إلا أنه استطاع فيما يبدو أن يكتسب شعبية واسعة بين نخبة المجتمع.
ويتجلى لنا من خلال قصة تأسيس نادي فيج كلوب مدى إصرار وشغف ومثابرة هذه السيدة. عرفت نادي فيج كلوب قبل أكثر من سبع سنوات منذ أن كان اسمه “البيت الأرجواني الكبير”، وكان يتحوَّل آنذاك من إستوديو باليه بالنهار إلى ملاذ هادئ للسيدات بعد غروب الشمس. وكانت ميران هي من تتولى تدريبنا بنفسها وترشدنا بأسلوبها الراقي والهادئ وحضورها الرقيق عبر حركات اليوجا المختلفة؛ ما بين وضعية الجبل ووضعية الجسر ووضعية الكلب المنحني ووضعية المحارب ٢ وتمارين النفس التي كنَّا نمارسها بعيون مغمضة وسط أضواء الشموع وعلى أنغام موسيقى اليوجا ذات الإيقاع الثابت. لم تكن لتجد مكانًا أكثر هدوءًا في إربيل على مدار الأسبوع. كانت فصول اليوجا تتكون من ١٢سيدة تمارس كل منها تمارين اليوجا باستخدام أدوات جميعها باللون الأرجواني؛ البساط والمكعب وحزام التمدد والبطانية التي كانت تستخدم أثناء تمرين ’ناماستي‘ الختامي.
مارست ميران الباليه في الأكاديمية الملكية بالمملكة المتحدة حتى وصلت لسن ١٦ عامًا. وفي عام ٢٠١٣ انتقلت إلى إربيل، أو “جذبها الزواج إلى هنا”، على حد وصفها، حيث تزوجت من رجل ذو أصول كردية وأنجبت ثلاثة أبناء.
وفي إربيل، بدأت ميران في تدريس الباليه للأطفال واليوجا للكبار في أحد الفنادق قبل أن تلتمس وجود نقص في أنشطة ما بعد المدرسة وتقرر تأسيس نادي فيج كلوب أو “نادي التين”. وساهمت من خلال هذه المبادرة في توعية المجتمع بشأن الأنشطة اللامنهجية للفتيات الصغار والنساء في فترة افتقر فيها إقليم كردستان لمثل هذه الأنشطة. قامت بطلاء جدران المركز باللون الأرجواني وأسمته “فيج كلوب” أو نادي التين، لأن التين فاكهة صحية وثمرة وطنية ولأن زوجها هو من اختار لها هذا الاسم، فضلًا عن كون اللون الأرجواني لونًا ممتعًا وجذابًا للأطفال.
ومع مرور الوقت قررت ميران أن تستعين بخبير روسي، وهو ما أحدث طفرة في تعليم الباليه بالنادي.
ترى على صفحات المركز على فايسبوك وإنستجرام صورًا لفتيات صغار يرتدين زي الباليه وتنانير وردية منفوشة. هذا ما حلمت به ميران في طفولتها، لكنها لم تكن تعلم أنه سيتحقق وسط مجتمع كردي في الشرق الأوسط. طالما أردت تأسيس مدرسة للباليه منذ أن كنتُ طفلة صغيرة. كان لديها ميول مسرحية وأرادت أن تصبح مدربة باليه، ولذلك كان لديها يقين أنها ستؤسس يومًا ما معهد باليه خاص بها.
يقدم المركز تدريبات يوجا وبيلاتس وهيب هوب وفنون قتالية وهو أول من أتاح فصول اليوجا الجوية في إربيل. جذبت أنشطة المركز انتباه الوافدين الأجانب في البداية ثم اكتسبت شعبية كبيرة بين سكان المدينة أيضًا. وبفضل تفاني ميران وجهودها وشغفها تطور المركز على مدى سبع سنين ليصبح اليوم مركزًا معتمدًا من قبل أحد أبرز مجالس اختبارات الباليه والجمباز حول العالم.
تحلم ميران بالمساهمة في تطوير رياضة الجمباز في المنطقة واعتماد برامج تعليم الموسيقى، كدروس البيانو، دوليًا، وفتح فصول لتعليم التمثيل والدراما أيضًا.
تقول ميران: “لدينا أيضًا فصل جماعي لتعليم صناعة ومنتجة وإنتاج وإخراج الأفلام للشباب في سن المراهقة. فتلك الفئة العمرية تحتاج للقيام بشيء بنَّاء وممتع في الوقت نفسه. يُقَدَم البرنامج على هيئة ورشة عمل ممتعة تسمح للصغار بالتعبير عن أنفسهم بأسلوب إبداعي.”
بالإضافة إلى ذلك، يتعاون نادي فيج كلوب مع الحضانات والمدارس لتقديم أنشطة، كالجمباز والباليه، بعد انتهاء اليوم الدراسي في مقار المدارس للتيسير على الأهالي.
وتشتهر ميران أيضًا بذلك العرض الرائع الذي تقدمه كل عام في أحد أكبر قاعات الفعاليات في إربيل. في كل عام يتعاون طلاب الموسيقى والرقص والباليه والدراما معًا لتقديم عرض استثنائي لإحدى أشهر المسرحيات؛ مثل ملكة الثلج ورابنزل وعلاء الدين وعروس البحر والأسد الملك وبيتر بان. وبالنظر إلى الوسائل المتاحة، يتبين لنا أن هذه العروض تمنح للجماهير تجربة لا تقل متعة ودفئًا وثراء عن عروض ثياترلاند بحي المسارح بلندن. وتتجلى تلك الجهود وهذا الكم من الاحترافية بوضوح في صور الحفلات المنشورة على الموقع الإلكتروني.
أكدت لي ميران أن سعيها وراء تحقيق حلم الطفولة لم يكن مفروشًا دومًا بالتنانير الوردية وإشادات الجمهور، وأن ما كان يدفعها من البداية لمواصلة السعي هو شغفها وحرصها على النهوض بهذه الأنشطة في إربيل. وأخبرتني كم هي محظوظة بدعم زوجها، لاسيما مع تأثر عملها بخطر داعش وتحديات وباء كوفيد، وأنه لما كان بإمكانها إدارة مشروعها على هذا النحو لو أنها اعتمدت على نفسها فقط.
إن ما يشهده نادي فيج كلوب من قصص نجاح هو ما يحفز ميران ويشجعها على مواصلة دعم الأطفال في اكتشاف مواهبهم. فقد أخبرتني أن من بين طلاب فيج كلوب من التحق بأبرز معاهد التمثيل في الإمارات والمملكة المتحدة، ومن يمارس رقص الهيب هوب ويحقق نجاحات مذهلة في نيويورك. إن نادي فيج كلوب يعطي الأطفال والمراهقين ذوي الشغف والموهبة دفعة قوية للأمام لتشجيعهم على المضي قدمًا. ترى ميران أن قصص النجاح هذه هي دليل على ما تركته وفريقها من أثر وأنها هي ما تدفعهم للاستمرار.
وفي ختام المقابلة، أخذتني ميران في جولة عبر مقرها الجديد في إحدى ضواحي دريم سيتي الراقية بإربيل، بعد رحيله عن “البيت الأرجواني الكبير”. وكان من الممكن أن تلجا ميران بكل سهولة إلى غلق المركز، لاسيما إزاء تهديدات داعش والتحديات التي فرضها وباء كورونا، إلا أنها شغفها الدفين وإصرارها وإيمانها برسالتها أبقت أبواب نادي فيج كلوب مفتوحة. رأيت في عينيها خطط ومشروعات طموحة لتحويل هذا المركز لأفضل مركز رقص وموسيقى وعروض أدائية معتمد دوليًا في الإقليم (والعراق) ونقطة انطلاق قوية للمواهب الشابة.
ورغم ضجيج وصخب أنشطة الأطفال المختلفة على مدار اليوم، إلا أن المركز سرعان ما يتحول لواحة هادئة بعد غروب الشمس حين يفترش عشاق اليوجا حصائرهم الأرجوانية وتُضاء الشموع وسط أجواء تبعث على الاسترخاء قبل أن يختتم المركز يومه بتمرين ’ناماستي‘ ويغلق أبوابه.
بقلم سازان مـ. مندلاوي، منسقة ومُدَوِنة شغوفة في طريقها للحصول على درجة الدكتوراه في مجال التعليم. تسلِّط الضوء في مدونتها على المشهد الثقافي والإبداعي بإقليم كردستان بالعراق.
حقوق طبع ونشر الصور :نادي فیج كلوب