كلمة “فبرك” في اللغة العربية تعني “ابتكر”. وإن إستوديو فبرك لسرد القصص على الأقمشة هو أول إستوديو متخصص في تصميم القماش في لبنان. توضِّح لنا مؤسسة الإستوديو، ستيفاني نعمة، في هذا المقال مفهوم تصميم القماش ومراحله وتطلعنا على سبب إطلاقها لمشروع “فبرك”. كما تأخذنا معها في جولة عبر المراحل الإبداعية لعملها كمصممة للأقمشة، وتشاركنا خبرتها كمعلمة على منصة Skillshare، وتخبرنا كذلك بالمزيد عن خططها المستقبلية.
عندما سألت ستيفاني في بداية حديثنا عن مفهوم تصميم الأقمشة، أجابتني قائلة: “يقوم تصميم القماش على ابتكار تصاميم من أنماط متكررة ليتم طباعتها أو نسجها أو حياكتها على القماش المباع في أسواق المفروشات المنزلية أو الملابس. لكني ركزت في تصميماتي حتى الآن على الطباعة.” واستطردت قائلة: “لقد اكتسب تصميم الأقمشة في الآونة الأخيرة شهرة واسعة في جميع أنحاء العالم، وجذب إليه كثير من المصممين. ولكنّ تصميم القماش هو أكثر من مجرد زخارف متكررة، فهناك قواعد ينبغي اتباعها من أجل تصميم أنماط زخرفية انسيابية وسهلة القراءة وغنية بالتفاصيل وملائمة لمتطلبات الأسواق المختلفة. ومن هذا المنطلق، يعد إستوديو فبرك محطة شاملة لتصميم الأنماط الزخرفية على القماش، ويستند في ذلك إلى الخبرة اللازمة لابتكار أنماط احترافية وناجحة.”
بدأت ستيفاني في اختبار فكرة تصميم القماش منذ عام ٢٠١٢. واكتسبت على مر مسيرتها المهنية خبرة في سرد القصص في مختلف المجالات؛ التسويق وتصميم الأزياء والكتابة. وحدثتني عن ذلك قائلة: “وبينما أنا منشغلة ذات يوم في كتابة قصة روائية، شعرت فجأة بالرغبة في اكتشاف مجال سرد القصص المرئي. وكنت منذ نعومة أظافري شغوفة بالقماش والأنماط الزخرفية. أشعر أن النسيج له طابع بدائي ومتجذر، وأن الأنماط الزخرفية تمنح المرء شعورًا بالاطمئنان وتحثه على التأمل، لما لها من طابع متكرر ومتوقع.”
لهذا السبب قررت ستيفاني أن تتطرق إلى مجال تصميم أنماط النسيج لأنها رأت أن سرد القصص على القماش باستخدام الأنماط والزخارف بمثابة تتويجًا لهواياتها السابقة. وبدأت منذ عام ٢٠١٢ في تحري المصادر المتوفرة على شبكة الإنترنت عن تصميم النسيج للتعرف أكثر على هذا المجال، رغم قلة المصادر الإلكترونية والكتب التعليمية المتاحة عنه. ولكن، بحلول عام ٢٠١٦، ومع بداية الهوس بتصميم الأقمشة، انتشرت المصادر التعليمية على شبكة الإنترنت، وبدأت منصات بينترست وسيلك شير، وغيرها من المنصات التعليمية، في النمو تدريجيًا وصار مصممو الأقمشة يشاركون خبراتهم علنًا عبر المدونات والمواقع الإلكترونية. ولذلك، خصصت ستيفاني في عام ٢٠١٦ وقتًا لدراسة تصميم أنماط القماش الزخرفية أونلاين من خلال الالتحاق بدورات تدريبية مقدمة من قبل إستوديوهات متخصصة في هذا المجال وعلى يد مصممين محترفين.
وفي عام ٢٠١٧ أطلقت ستيفاني إستوديو فبرك لسرد القصص على الأقمشة، وتلقت بعد عشرة أيام فقط أول طلبية من أحد أكبر متاجر الأقمشة في لبنان؛ متجر سكاف. وهكذا نشأت مجموعة “من لبنان” وهي أول مجموعة منسوجات تُصَمَّم في لبنان ليتم بيعها في سوق الأقمشة اللبنانية. وهكذا بدأت القصة.
ستيفاني راوية قصص بالفطرة، تطمح لسرد قصص من شأنها أن تلهم الناس لاكتشاف حقيقتهم وهويتهم والاحتفاء بها. أما هي، فتستمد إلهامها من قصة حياتها كطفلة صغيرة لم يكن باستطاعتها الرسم، ولكنها كافحت لسنوات طويلة حتى نجحت في تأسيس إستوديو قائم على الرسم والتلوين والتجسيد المرئي.
وعندما سألت ستيفاني عن مراحل عملها كمبدعة في تصميم الأقمشة، أخبرتني أنها تسعى في الآونة الأخيرة إلى تسليط الضوء على البهجة والفرحة في أعمالها، بأن تحرر مجموعاتها من الخوف والأحكام وتربطها بالقصص التي تريد أن تحكيها للناس. وعلى مدى العامين السابقين مارست ستيفاني نشاطها الإبداعي بعيدًا عن الإنترنت، لأنها أرادت أن تشارك الآخرين محتوى ذو مغزى، وليس فقط لإرضاء خوارزمية الإنترنت. وهذا النوع من المحتوى لا بد وأن ينمو طبيعيًا، ويتطلب وقتًا وصبرًا وصمتًا. كانت ستيفاني تتمنى أن تنجذب إليها المشروعات تلقائيًا دون أن تضطر لملاحقتها، لتكون هي بمثابة السفينة التي تخرج بها إلى العالم، مثلما حدث مع مجموعة “تفضلوا“، والتي تتمنى ستيفاني أن تكون بداية لمشروعات أخرى مثيلة. لجأت ستيفاني في البداية إلى الرسم بالألوان المائية والجواش، ثم قامت برقمنة المشروعات من خلال تطبيقات أدوبي لحاجتها إلى الإعادة مرارًا وتكرارًا خلال الرسم، وهذا ما وفره لها الرسم الرقمي الذي استطاعت من خلاله أن تمسح وتعيد ما رسمته بنقرة واحدة، فضلًا عن أن الخيارات اللانهائية للتصميم الرقمي قد أغرتها لشراء جهاز آي باد برو في عام ٢٠١٩، وصارت كل تصميماتها تبدأ من تطبيق بروكريات للرسم الرقمي. وعندما ترسم من آن لآخر بألوان الجواش وفرش الرسم القديمة تشعر أنها قد التقت بصديق قديم لم تره منذ فترة طويلة. أكدت لي ستيفاني أن المرء يحتاج لوقت وممارسة ليكتشف أسلوبه، وأنها لا تزال تعمل على صقل أسلوبها.
وتعرف ستيفاني أن التصميم قد أصبح جاهزًا عندما تشعر أن كل عنصر من عناصره يساهم في تجسيد الرؤية النهائية للعمل، وتكون راضية عن الشكل النهائي للتصميم وطابعه وطيف الألوان المستخدم فيه، أو على حد وصفها، عندما “يبدو أنه مناسب فحسب، فالمرء يدرك ذلك تلقائيًا.”أردت أن أعرف من ستيفاني المزيد عن دورة “الصمت والفضول: دليل للتأمل الذاتي واكتشاف الذات” التدريبية التي أتاحتها للمبدعين على منصة “Skillshare” على شبكة الإنترنت، والتي التحق بها حتى الآن ٢٥٦٦ مشاركًا، فسألتها عن السبب الذي دفعها لإطلاق هذه الدورة وعن طبيعة شعورها كمعلمة لكل هؤلاء الطلاب وعن تجربتها على هذه المنصة بشكل عام.
أجابتني أنها تدربت على منصة Skillshare منذ عام ٢٠١٦. ثم فكرت في عام ٢٠١٩ أن تلتحق بالمنصة كمعلمة لترد الجميل لهذا المجتمع الراعي للإبداع. وبينما هي منشغلة في تصميم الدورة وكتابة محتواها في عام ٢٠٢٠، صادفتها دورة “تحدث وكن مصدرًا للإلهام مع المتحدثة ليزا نيكولس” على منصة مايند فالي. وأدركت من خلال هذه الدورة أن هذا هو الوقت المناسب لتقديم دورتها التدريبية ومشاركة خبرتها مع طلاب آخرين، كما ساعدتها دورة ليزا نيكولس على صقل محتواها. سلَّطت ستيفاني الضوء في دورتها التدريبية على الصمت والفضول. وحدثتني عن ذلك قائلة: “في بداية مسيرتي الاستكشافبة كنت أقدر قيمة التأمل الذاتي والتفكر فيما توصَّلت إليه، وما أطمح إلى الوصول إليه، وكنتُ في الوقت نفسه أكرس وقتًا لاكتشاف ما يثير فضولي.”
ولاحظت ستيفاني خلال هذه الفترة كيف يستند أصدقاؤها إلى مخاوفهم وليس إلى طموحاتهم في اتخاذ قراراتهم المهنية وأنهم سرعان ما يقعون فريسة للندم. ولذلك، فضلت الطريق الذي لم يسلكه الكثيرون وأرادت أن تشارك الآخرين تجربتها ورحلتها عبر هذا الطريق لتشارك هذه التجربة مع أولئك الذين يرغبون في اكتشاف أنفسهم. وشهدت ستيفاني على المستوى الشخصي تحولًا من طفلة لا تستطيع الرسم وترفض لسنين أي مسار مهني قام على التصميم ظنًا منها أن الرسم هو البوابة الوحيدة للفنون والتصميم، إلى شخصية تستكشف فضولها مرة تلو الأخرى ومؤسسة لمنصة فبرك القائمة على الرسم. وكانت في الوقت نفسه تسمع عن أشخاص بالغين رفضوا التخصص في الفنون لعجزهم عن الرسم في فترة المدرسة، ولا تزال ترى هذا المفهوم الخاطئ مترسخًا في عقول المراهقين الصغار حتى الآن. ولذلك، أرادت أن تشجع الفئتين العمريتين على إحداث التغيير الذي يطمحون إليه من خلال استكشاف ما يثير فضولهم بمنتهى الحماس والثقة.
وعن تجربتها في التدريس، علَّقت ستيفاني قائلة: “إنه لشرف كبير أن يتسنى لي التدريس لهذا العدد الهائل من الطلاب. وعندما أطلقت هذه الدورة التدريبية لأول مرة، لم أكن أعرف أنها ستحدث مثل هذا التأثير، فأكثر من ٦٠ بالمئة من الطلاب الذين قيَّموا الدورة التدريبية رأوا أنها قد فاقت توقعاتهم. ويسعدني أن قصتي تشجع الناس على استكشاف واكتشاف ما يثير فضولهم، ومتابعة اهتماماتهم التي كانوا يؤجلونها.”
وأشارت ستيفاني إلى أن عملية تصميم محتوى الدورة التدريبية كانت مرهقة، وأنها كانت المرة الأولى التي تقف فيها أمام كاميرا لمشاركة تجربتها الشخصية. وذكرت أنه تم تصوير الجزء الأكبر من هذا المحتوى في أعقاب انفجار مرفأ بيروت، في أواخر أغسطس/أوائل سبتمبر. ولذلك، شعرت في أول يوم تصوير بالذنب من أنها استأنفت عملها وبلادها في حالة صدمة وحداد، وهو ما ظهر على صوتها وتصرفاتها. لكنها شعرت في الوقت نفسه أن إنتاجيتها ووقوفها على قدمها مجددًا بهذه السرعة هو نوع من الاحتجاج في حد ذاته.
كتبت ستيفاني سيناريو الدرس وقامت بتصويره بمساعدة صديقها، لكنها تولَّت عملية المونتاج بنفسها بعد أن تعلَّمت أسس تحرير مقاطع الفيديو. ولم تتوقع ستيفاني أن تلقى الدروس كل هذا الصدى. ولكنها شعرت أن الأمر استحق كل هذا العناء والجهد حين رأت المشاركين يتحدثون في تعليقاتهم عن أن الفيديو قد ألهمهم للإمساك بزمام الأمور في حياتهم.
وحدثتني ستيفاني عن خططها المستقبلية قائلة: “عكفت خلال هذا العام على التحضير لدرس آخر، لكنني فقدت أكثر من ٣٠ صفحة منه الشهر الماضي بسبب تعطل جهاز اللابتوب الخاص بي. ربما أضطر للبدء من جديد.”
تسعى ستيفاني خلال مسيرتها المهنية إلى التأكيد على قيمة المتعة والبهجة في عمليات الإبداع، وتقدير قيمتها في كل مجالات الأعمال الأخرى. إن نتائج عملية الإبداع ومراحلها ينبغي ألا تقوم على المخاوف أو الأحكام. وتأمل ستيفاني أن يتسنى لها خلق مساحة للممارسات الفنية اليومية لتطور من نفسها. أما فيما يتعلق بخططها المستقبلية، فلقد أرادت منذ سنوات أن تستكشف مجال فن النسيج. وكانت قد التحقت بالفعل بدورة في الحياكة منذ بضع سنوات وتريد أن تلتحق بها مرة أخرى وأن تتعمق أكثر في مجال الطباعة بالصبغات الطبيعية والاهتمام بجانب الاستدامة في مشروعاتها. فتلك هي السنة الأولى التي تقوم فيها ستيفاني بتقديم منتج تعارضه من البداية، إلا أنها عثرت في النهاية على طريقة للإنتاج الهادف وهو ما تجلى في مجموعة تفضلوا والتي تُجرى حاليًا طباعتها للمرة الثانية وفي طريقها للطبعة الثالثة. وتسعى ستيفاني في المستقبل إلى إنتاج أقمشة لا تنتمي لتصنيف واضح، يمكن للناس ارتداءها أو تعليقها كلوحة فنية على الحائط، أو قصها وإعادة حياكتها وإعادة تصورها من أي منظور يريدونه، وهو ما سوف يتجلى من خلال شعار الإستوديو: فبرك.
بقلم: چنى العبيديين، راقصة وكاتبة وناشرة مستقلة مقيمة في بيروت بلبنان.
حقوق طبع ونشر الصور: چنى العبيديين